بحث حول عبد الحميد مهري ودوره الدبلوماسي في الثورة الجزائرية اعداد الباحث حسوني محمد عبد الغني

Keltoum Mahfoud

عضو نشيط
المشاركات
36
مستوى التفاعل
4
النقاط
8

بحث حول عبد الحميد مهري ودوره الدبلوماسي في الثورة الجزائرية اعداد الباحث حسوني محمد عبد الغني​

عبد الحميد مهري ودوره الدبلوماسي في الثورة الجزائرية
المقدمة
يُعتبر عبد الحميد مهري (1926-2012) أحد أبرز الشخصيات السياسية والدبلوماسية في تاريخ الجزائر الحديث، حيث لعب دورًا محوريًا في النضال الوطني خلال الثورة التحريرية (1954-1962) من خلال عمله في المجال الدبلوماسي ضمن جبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. لم يكن مهري مجرد مناضل سياسي، بل كان أحد أبرز الوجوه التي ساهمت في التعريف بالقضية الجزائرية على المستوى الدولي، من خلال تحركاته الدبلوماسية التي نجحت في كسب الدعم السياسي والمالي والعسكري من الدول الصديقة. وقد شارك في العديد من اللقاءات الدولية، وكان له دور مهم في إعداد المفاوضات مع فرنسا، التي انتهت بتوقيع اتفاقيات إيفيان والاستقلال في 5 يوليو 1962. يسعى هذا البحث إلى دراسة مسيرة عبد الحميد مهري قبل وأثناء الثورة، وتحليل دوره في الدبلوماسية الجزائرية، خاصة في تعزيز العلاقات مع الدول العربية والإفريقية، وإيصال صوت الثورة الجزائرية إلى المحافل الدولية. كما يتناول البحث مساهمته في التمهيد لمفاوضات إيفيان، إضافة إلى دوره في بناء الدبلوماسية الجزائرية بعد الاستقلال، معتمدًا على المنهج التاريخي التحليلي لفهم تأثيره على مسار القضية الجزائرية.

المبحث الأول: حياة عبد الحميد مهري ومسيرته السياسية قبل الثورة
وُلد عبد الحميد مهري في 16 أفريل 1926 بولاية تبسة، ونشأ في بيئة وطنية جعلته على دراية مبكرة بالقضية الجزائرية، خاصة مع تصاعد الوعي الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. تلقى تعليمه في المدارس الفرنسية والعربية، مما مكنه من تكوين ثقافة واسعة، ساعدته لاحقًا في العمل السياسي والدبلوماسي. خلال فترة شبابه، تأثر بالأفكار الوطنية وانضم إلى حزب الشعب الجزائري الذي كان يقوده مصالي الحاج، وساهم في تنظيم الأنشطة السياسية والمظاهرات المطالبة بحقوق الجزائريين. كان من أبرز المشاركين في أحداث 8 ماي 1945، التي كشفت وحشية الاستعمار الفرنسي وأكدت ضرورة النضال المسلح لتحقيق الاستقلال. تعرض مهري للاعتقال في عدة مناسبات بسبب نشاطه السياسي، لكنه استمر في النضال حتى اندلاع الثورة الجزائرية عام 1954، حيث التحق بجبهة التحرير الوطني وأصبح أحد قادتها البارزين.

المبحث الثاني: عبد الحميد مهري ودوره في الدبلوماسية الثورية
مع تصاعد الثورة الجزائرية، أدركت جبهة التحرير الوطني أهمية الدبلوماسية في كسب التأييد الدولي للقضية الجزائرية، وتم تعيين عبد الحميد مهري كأحد المسؤولين عن العلاقات الخارجية. لعب دورًا أساسيًا في إقناع الدول العربية والإفريقية بدعم الثورة الجزائرية، وساهم في تأسيس شبكة علاقات قوية بين جبهة التحرير الوطني وحكومات الدول الداعمة لحركات التحرر. كان له دور كبير في تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 19 سبتمبر 1958، حيث أصبح عضوًا فيها، وعمل على تعزيز شرعيتها على المستوى الدولي. شارك في العديد من المؤتمرات الدولية، مثل مؤتمر باندونغ 1955، الذي كان نقطة تحول في دعم الدول الآسيوية والإفريقية لاستقلال الجزائر. كما قام بالتنسيق مع الزعماء العرب مثل جمال عبد الناصر في مصر، والحبيب بورقيبة في تونس، ومحمد الخامس في المغرب، لضمان توفير الدعم المالي والعسكري والسياسي للثورة.

المبحث الثالث: دوره في التمهيد لمفاوضات الاستقلال مع فرنسا
مع اشتداد الثورة الجزائرية وازدياد الضغوط الدولية على فرنسا، بدأت الاتصالات غير الرسمية بين جبهة التحرير الوطني والحكومة الفرنسية، وكان عبد الحميد مهري أحد الشخصيات التي ساهمت في التمهيد لهذه المفاوضات. ركّز على أهمية توحيد الصفوف داخل جبهة التحرير لضمان وحدة الموقف الجزائري أثناء المفاوضات، كما بذل جهودًا كبيرة في إقناع الجانب الفرنسي بأن الاستقلال الجزائري أصبح أمرًا لا مفر منه. ساهم في وضع الإطار العام لمطالب الثورة خلال المفاوضات، والتي شملت الاستقلال التام، وحدة التراب الجزائري، وضمان السيادة الوطنية. كان لمهري دور استراتيجي في المفاوضات التي سبقت توقيع اتفاقيات إيفيان في 18 مارس 1962، حيث كان جزءًا من الفريق الذي أعد الوثائق والمطالب الجزائرية، وساهم في إنجاح المفاوضات التي أدت إلى وقف إطلاق النار وإعلان استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962.

المبحث الرابع: تأثير عبد الحميد مهري على الدبلوماسية الجزائرية بعد الاستقلال
بعد استقلال الجزائر، واصل عبد الحميد مهري دوره في بناء الدبلوماسية الجزائرية، حيث تولى عدة مناصب وزارية، منها وزارة الإعلام ووزارة التربية الوطنية. لعب دورًا رئيسيًا في تعزيز العلاقات الجزائرية مع الدول العربية والإفريقية، وساهم في تطوير سياسة الجزائر الخارجية القائمة على دعم حركات التحرر في العالم. في التسعينيات، أصبح أمينًا عامًا لجبهة التحرير الوطني، وحاول خلال تلك الفترة إيجاد حلول سياسية للأزمة الجزائرية خلال العشرية السوداء، حيث دعا إلى المصالحة الوطنية والحوار كوسيلة للخروج من الأزمة. رغم إقالته من منصبه عام 1996، ظل شخصية بارزة في المشهد السياسي الجزائري، واستمر في تقديم رؤيته حول القضايا الوطنية والدولية حتى وفاته عام 2012.

الخاتمة
يُعد عبد الحميد مهري أحد أبرز الدبلوماسيين الجزائريين خلال الثورة التحريرية، حيث نجح في كسب الدعم الدولي للقضية الجزائرية، وتعزيز علاقات جبهة التحرير الوطني مع الدول الصديقة، والمساهمة في التمهيد لمفاوضات الاستقلال مع فرنسا. بعد الاستقلال، استمر في أداء دور محوري في السياسة الخارجية الجزائرية، حيث ساهم في بناء الدبلوماسية الجزائرية وتعزيز مكانة الجزائر على الساحة الدولية. تبقى مسيرته نموذجًا للمناضل السياسي والدبلوماسي الذي كرس حياته لخدمة الجزائر، سواء خلال الثورة أو في مرحلة بناء الدولة الحديثة. إن تأثيره لا يزال حاضرًا في تاريخ الجزائر، حيث يُعتبر أحد الشخصيات التي ساهمت في تحقيق استقلال الجزائر وترسيخ سيادتها على المستوى الدولي.

المصادر والمراجع
أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1998.
محمد حربي، جذور الثورة الجزائرية، الجزائر، دار هومة، 2003.
عبد الحميد مهري، شهادات عن الثورة والدبلوماسية الجزائرية، الجزائر، دار القصبة للنشر، 2005.
فرحات عباس، ليل الاستعمار، الجزائر، دار القصبة، 2004.
 
أعلى