مقال السرقة العلمية: الأدوات والتقنيات الحديثة اعداد الباحث حسوني محمد عبد الغني

Imen Nouara

عضو نشيط
المشاركات
38
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الكشف عن السرقة العلمية: الأدوات والتقنيات الحديثة
اعداد الباحث حسوني محمد عبد الغني
تعد السرقة العلمية من الظواهر التي تهدد نزاهة البحث العلمي، حيث تتجسد في استخدام أفكار أو نصوص أو نتائج بحثية لأشخاص آخرين دون الإشارة إلى المصدر الأصلي، وهو ما يُعد خرقًا لأخلاقيات البحث العلمي ويؤثر سلبًا على مصداقية الباحث والمؤسسة الأكاديمية. وتتنوع أشكال السرقة العلمية لتشمل سرقة الأدب (النقل المباشر للنصوص)، السرقة الفكرية (نقل الأفكار)، والسرقة المعرفية (نقل الصور أو البيانات)، وكذلك التلاعب في نتائج الأبحاث. ومع تزايد الحاجة إلى الابتكار والمعرفة في عصرنا الحالي، ظهرت الحاجة الملحة لتطوير آليات للكشف عن السرقة العلمية لضمان سلامة البحث العلمي والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية.

كانت مشكلة السرقة العلمية قديمة، لكنها زادت في العصر الحديث نتيجة للتقدم التكنولوجي وتوسع الإنترنت، الذي جعل من السهل نسخ محتوى كبير من الأبحاث والمقالات الأكاديمية في فترة زمنية قصيرة، وهو ما يتطلب بدوره أدوات حديثة للكشف عنها. لذلك، فقد ظهرت العديد من الأدوات الرقمية التي تستخدم تقنيات متطورة لمقارنة النصوص المكتوبة مع مصادر متعددة عبر الإنترنت وقواعد البيانات الأكاديمية، مثل برامج Turnitin وPlagscan وCopyscape، التي توفر حلولًا دقيقة وموثوقة للكشف عن السرقة الأدبية والتمحيص في النصوص الأكاديمية. هذه الأدوات أصبحت جزءًا أساسيًا في عمليات تقييم الأبحاث والأوراق العلمية، سواء في الجامعات أو المجلات الأكاديمية.

Turnitin هو أحد أشهر الأدوات التي تعتمدها الجامعات والمراكز الأكاديمية حول العالم للكشف عن السرقة العلمية. يعمل هذا البرنامج من خلال قاعدة بيانات ضخمة تضم ملايين من الأبحاث والمقالات الأكاديمية، بالإضافة إلى محتوى الإنترنت والمقالات الصحفية. يقوم Turnitin بمقارنة النصوص المقدمة مع هذه القواعد ويحدد نسبة التشابه بين النصوص، وبالتالي يساعد في اكتشاف السرقة الأدبية بشكل دقيق. أداة أخرى مشابهة هي Plagscan، التي تتيح للمستخدم فحص النصوص بشكل متقدم للكشف عن أي تطابق مع محتوى منشور على الإنترنت أو في الأبحاث السابقة. وبجانب هذه الأدوات التقليدية، يوجد أيضًا DupliChecker و Grammarly، وهما يستخدمان لتحديد التشابه في النصوص والكشف عن السرقة الأدبية.

فيما يتعلق بالتقنيات المتقدمة، أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة من الأدوات القوية في الكشف عن السرقة العلمية. تتيح هذه التقنيات دراسة الأنماط اللغوية والتراكيب الأدبية والتعرف على التعديلات الطفيفة في النصوص. بالإضافة إلى ذلك، هناك تقنيات تحليل البيانات التي تستخدم لاكتشاف التشابهات بين النصوص، حتى وإن كانت قد تم تعديلها بطريقة غير واضحة. يعد استخدام هذه التقنيات خطوة مهمة نحو تعزيز فعالية الأدوات المستخدمة في الكشف عن السرقة العلمية، مما يوفر مستوى من الدقة التي لا توفرها الأدوات التقليدية.

من جانب آخر، يمكن للمؤسسات الأكاديمية أيضًا استخدام التحليل البياني للبيانات للكشف عن السرقة العلمية. باستخدام هذه التقنية، يمكن تحليل البيانات النصية الكبيرة واكتشاف الأنماط الغريبة أو الشاذة في النصوص الأكاديمية. هذه الطريقة تتيح تتبع الجمل أو الفقرات المشابهة للأعمال المنشورة سابقًا، حتى إذا كانت قد تم تعديلها بشكل طفيف. تتيح تحليل الأنماط بشكل كبير في اكتشاف تلاعبات نصية قد لا تكشف عنها الأدوات التقليدية.

السرقة العلمية لا تقتصر فقط على النقل المباشر للنصوص أو الأفكار، بل تشمل أيضًا التلاعب بالبيانات والنتائج البحثية. يعد التلاعب بالبيانات من أخطر أشكال السرقة العلمية، حيث يقوم بعض الباحثين بتحريف البيانات أو إدخال نتائج غير صحيحة لدعم فرضيات معينة. لهذا السبب، فإن الكشف عن التلاعب في البيانات يعد من أكثر المسائل تعقيدًا في تحقيق النزاهة الأكاديمية. لذلك، يُنصح باستخدام تقنيات تحليل البيانات البيانية و الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحليل نتائج الأبحاث والتأكد من صحتها.

على الرغم من فعالية الأدوات الرقمية والتقنيات الحديثة في الكشف عن السرقة العلمية، فإن هذه الأدوات لا تكفي بمفردها لضمان نزاهة البحث العلمي. يجب أن تترافق هذه الأدوات مع توعية أكاديمية شاملة حول أهمية أخلاقيات البحث العلمي وضرورة الابتعاد عن السرقة الأدبية. من خلال تقديم ورش عمل ودورات تدريبية للطلاب والباحثين حول كيفية تجنب السرقة العلمية والالتزام بالمعايير الأخلاقية في البحث العلمي، يمكن تقليل هذه الظاهرة إلى حد كبير. في هذا السياق، يُعد التعليم الأكاديمي عنصرًا أساسيًا في توعية الجيل الجديد من الباحثين حول خطورة السرقة العلمية وأضرارها على السمعة الأكاديمية والمهنية.

تتمثل إحدى المشكلات التي تواجه الباحثين في الضغوط الأكاديمية والبحث عن القبول في المجلات العلمية والجامعات، مما يدفع بعضهم إلى الاستسهال في تقديم الأبحاث المقلدة. كذلك، يمكن أن يكون الجهل بالقواعد الأكاديمية من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى السرقة العلمية، خصوصًا لدى الباحثين الجدد. لذا، من المهم أن تقدم المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية الإرشادات الواضحة حول أدوات التوثيق وأهمية الاستشهاد بالمصادر بشكل دقيق.

يمكن أيضًا أن تشكل الرقابة الفعالة على الأبحاث جزءًا من الحل، حيث من الضروري أن تكون هناك أنظمة داخلية للمؤسسات الأكاديمية للتحقق من الأبحاث قبل النشر، وذلك من خلال المراجعات الدقيقة. ينبغي أيضًا وضع عقوبات صارمة ضد من يثبت تورطهم في السرقة العلمية، مثل إلغاء الأبحاث أو منع النشر في المجلات الأكاديمية، مما يساهم في الحد من هذه الظاهرة.

وفي النهاية، تظل السرقة العلمية تهديدًا كبيرًا للنزاهة الأكاديمية والبحث العلمي، ولذا فإن استخدام الأدوات الرقمية الحديثة مثل Turnitin وPlagscan، إلى جانب الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، يسهم بشكل فعال في مكافحة هذه الظاهرة. ومع ذلك، لا بد من دعم هذه الأدوات بتوعية أكاديمية مستمرة حول أخلاقيات البحث، وتوفير البيئة الأكاديمية التي تشجع على الابتكار وتمنع الاستسهال في النقل غير المشروع للمحتوى.
 
أعلى