- المشاركات
- 655
- مستوى التفاعل
- 30
- النقاط
- 28
"ربيع" إفريقيا القادم °° أحاديث عن الماضي و تأملات في القادم
فولتا العليا: بوركينا فاسو
لم ينصف الزمن ، بعدُ ، أهلنا من الأقطار الزنجية الإفريقية ، فقد بالغت البشرية في ظلمهم واضطهادهم كما لم يحدث لأي عرق و لا لون من فصيليْ حام و سام منذ فجر الآدمية إلى اليوم .
و يظل المحفوظ من التاريخ أشد فظاعة لأنه شهادة مكتوبة تدين بالوثائق المعتمدة كاتبها المتغلب الذي قنن وشرع توزيع البشر على أساس البشرة طوراً، والفصيل أحياناً ، والنوع تارة ؛ ولم تجمع البشرية على شر أقذر من وضع الزنجي في أسفل السلم وتكبيله بالرق ووسمه به مدى الحقب.
ولعل الزنوج الأفارقة بحكم انعزالهم في أدغالهم ، وعدم احتكاكهم بذوي البشرات المختلفة، كانوا أسعد حالاً من السود الهنود الذين ما زالوا يعانون التمييز الإجتماعي المتأصل عقيدةً وسلوكًا في الهند إلى اليوم، حيث يبلغ "المنبوذون"ما يربو على ثلاثمائة مليون شخص تقضي الهندوكية بنجاسة أي شيء و قع عليه ظلهم فما بالك بأجسامهم رغم الديمقراطية والتعددية الهندية الشهيرة التي أوصلت أحدهم إلى كرسي رئاسة دولة الهند(منصب صوري).
ويشهد التاريخ بتفاني السود في الكفاح من أجل كرامتهم في مختلف مفاصل الزمن ،ولعل مأساة استجلاب الرقيق الأسود و تجارته بالآلاف عبر بحار العالم الغربي هي ذروة التراجيديا الكونية.
وقد عرف التاريخ الاستعماري الوسيط رجالات زنوجا أبلوا أحسن البلاء ثوارا طامحين إلى الحرية أمثال توسين لوفيرتور بطل هايتي العظيم و فينسان أوجيه في سان دومينغ بجزرالانتيل مهدوا لما تلاهم حتى ظهور رمز تحرير عبيد العالم مارتن لوثر كينغ الامريكي.
وبعد دورة كاملة من الزمن الحديث ظهرت مجموعات من منتوج التعليم الإستعماري بين الحربين الأوروبيتين (العالميتين زوراً) كان منهم رواد تنوير ودعاة حقوق و قليل من الثوار، وكانت أوَّل تجربة لإقامة كيانات زنجية تتيح لهذا العنصر الآدمي الكريم فرصة تسيير دولاتي مختلف عن القبيلة و العصبة و القرية باستثناء الدولة الحبشية العريقة.
وتعتبر فترة الإستقلالات حصادا وفيرا في كم البلدان والقادة و الشعارات حيث تمت بلقنة القارة و قطعت أوصالها ليسهل استغلالها ونهب ثرواتها وزرع أسباب التوتر الدائم بين كياناتها استبعادا لاحتمال قيام أي تكامل أو وحدة بأي شكل و تحت أي ظرف بين اقطارها، و نصبت عليها بيادق تحركها أصابع الساحر الأبيض تبعا لسياساته ،وقد كانت عبقرية المستعمر الفرنسي خارقة في هذا المجال كما يقول نيكسون في كتابه "الحرب الحقيقية" ضاربا مثلا بالحدود بين دول الساحل والشمال الإفريقي التي تضع ثلثَ قبيلة أو عرق هنا و ربعَها هناك والبقية في بلد ثالث (البييظان و الطوارق مثلا) حتى يظل وقودا قابلا للإشعال لدى أي احتكاك.
ومن أبرز نماذج ذلك دولة فولتا العليا المسماة باسم نهر يصب في غانا يتكون من فرعين فولتا العليا و فولتا السفلى في غانا، وكأن المستعمر ينسبها نسب اللقيط إلى مكان ميلاده (لاحظ اسميْ النيجر و نيجيريا) رغم أنها تحتضن امبراطورية ألفية التاريخ بمدنها القديمة وعاداتها الراسخة ودياناتها المتصالحة و رمزها إمبراطور شعب الموسي "موغونابا" أو "مورو نابا" التي اقتُطعت من جنباتها مدن و أنهار و مواقع وضمت إلى جهات أخرى بحيث صنع من ضلعها شريط أضيف إلى توغولاند التي انتزع منها جزء لغانا وهي أصلا من امبراطورية الدانخومي(داهومي) الشهيرة.
وعلى أنقاض كل هذه العظمة تشكلت جمهورية قزمية التقاطيع فقيرة معزولة بلا شواطئ محشورة لا تكاد تتنفس بين عملاقين أحدهما أرجله من طين و رأسه من عجين لا يكاد يفيق من أزمة في القلب إلا عاجله ألم في أحد أطرافه هو "مالي" بقية مملكة "ملّيِ الأسكيا " أرض المخطوطات العربية الجميلة والذهب اللماع و الحواضر الزاهرة ك:جنة و كلبه و تنبكتو وقاوه و غيرها. وبين عملاق الكاوكاو و الموز وما لذ حلوق الغرب و غلا ثمنه عند الجلب : ساحل العاج والإسم على مسمى بلاد "عاج الفيل".
هنا في هذا الجار المترف ، نسبيا،نصب عرش العمالة المتجذرة لفرنسا والتمثل المخلص لمصالحها و موطن خدامها من تجار (جولا) المسلمين بالوراثة الذين لايفقهون غيرتجارة الماشية ، ومشايخ (الباولي) الوثنيين الرافلين في ملاحفهم المرقطة المتوجين بطرابيش حوافها ذهب يلبسون قلائد و يتحلون بدمالج من التبر الخالص مرتين في العام :يوم الولاء للرجل الأبيض وأسبوع تقديم القرابين لطواطم الأجداد في الغابة المقدسة ، و فوق كل ذلك هي جمهورية الرئيس مدى الحياة ، الذي ودّع الحياة،حكيم إفريقيا والسد المنيع أمام النفوذ العربي والمد الاسلامي "العجوز هوفويت بوانيي" الذي بنى أكبر كنيسة كاثوليكية "بازيليك سيدة إفريقيا"خارج أوربا في قرية قبيلته (ياموسوكرو)التي حولها قبل موته إلى عاصمة للجمهورية ، مقدما نموذجا باهرا للدولة الثيوقراطية على الطريقة الافريقية...
فولتا العليا: بوركينا فاسو
لم ينصف الزمن ، بعدُ ، أهلنا من الأقطار الزنجية الإفريقية ، فقد بالغت البشرية في ظلمهم واضطهادهم كما لم يحدث لأي عرق و لا لون من فصيليْ حام و سام منذ فجر الآدمية إلى اليوم .
و يظل المحفوظ من التاريخ أشد فظاعة لأنه شهادة مكتوبة تدين بالوثائق المعتمدة كاتبها المتغلب الذي قنن وشرع توزيع البشر على أساس البشرة طوراً، والفصيل أحياناً ، والنوع تارة ؛ ولم تجمع البشرية على شر أقذر من وضع الزنجي في أسفل السلم وتكبيله بالرق ووسمه به مدى الحقب.
ولعل الزنوج الأفارقة بحكم انعزالهم في أدغالهم ، وعدم احتكاكهم بذوي البشرات المختلفة، كانوا أسعد حالاً من السود الهنود الذين ما زالوا يعانون التمييز الإجتماعي المتأصل عقيدةً وسلوكًا في الهند إلى اليوم، حيث يبلغ "المنبوذون"ما يربو على ثلاثمائة مليون شخص تقضي الهندوكية بنجاسة أي شيء و قع عليه ظلهم فما بالك بأجسامهم رغم الديمقراطية والتعددية الهندية الشهيرة التي أوصلت أحدهم إلى كرسي رئاسة دولة الهند(منصب صوري).
ويشهد التاريخ بتفاني السود في الكفاح من أجل كرامتهم في مختلف مفاصل الزمن ،ولعل مأساة استجلاب الرقيق الأسود و تجارته بالآلاف عبر بحار العالم الغربي هي ذروة التراجيديا الكونية.
وقد عرف التاريخ الاستعماري الوسيط رجالات زنوجا أبلوا أحسن البلاء ثوارا طامحين إلى الحرية أمثال توسين لوفيرتور بطل هايتي العظيم و فينسان أوجيه في سان دومينغ بجزرالانتيل مهدوا لما تلاهم حتى ظهور رمز تحرير عبيد العالم مارتن لوثر كينغ الامريكي.
وبعد دورة كاملة من الزمن الحديث ظهرت مجموعات من منتوج التعليم الإستعماري بين الحربين الأوروبيتين (العالميتين زوراً) كان منهم رواد تنوير ودعاة حقوق و قليل من الثوار، وكانت أوَّل تجربة لإقامة كيانات زنجية تتيح لهذا العنصر الآدمي الكريم فرصة تسيير دولاتي مختلف عن القبيلة و العصبة و القرية باستثناء الدولة الحبشية العريقة.
وتعتبر فترة الإستقلالات حصادا وفيرا في كم البلدان والقادة و الشعارات حيث تمت بلقنة القارة و قطعت أوصالها ليسهل استغلالها ونهب ثرواتها وزرع أسباب التوتر الدائم بين كياناتها استبعادا لاحتمال قيام أي تكامل أو وحدة بأي شكل و تحت أي ظرف بين اقطارها، و نصبت عليها بيادق تحركها أصابع الساحر الأبيض تبعا لسياساته ،وقد كانت عبقرية المستعمر الفرنسي خارقة في هذا المجال كما يقول نيكسون في كتابه "الحرب الحقيقية" ضاربا مثلا بالحدود بين دول الساحل والشمال الإفريقي التي تضع ثلثَ قبيلة أو عرق هنا و ربعَها هناك والبقية في بلد ثالث (البييظان و الطوارق مثلا) حتى يظل وقودا قابلا للإشعال لدى أي احتكاك.
ومن أبرز نماذج ذلك دولة فولتا العليا المسماة باسم نهر يصب في غانا يتكون من فرعين فولتا العليا و فولتا السفلى في غانا، وكأن المستعمر ينسبها نسب اللقيط إلى مكان ميلاده (لاحظ اسميْ النيجر و نيجيريا) رغم أنها تحتضن امبراطورية ألفية التاريخ بمدنها القديمة وعاداتها الراسخة ودياناتها المتصالحة و رمزها إمبراطور شعب الموسي "موغونابا" أو "مورو نابا" التي اقتُطعت من جنباتها مدن و أنهار و مواقع وضمت إلى جهات أخرى بحيث صنع من ضلعها شريط أضيف إلى توغولاند التي انتزع منها جزء لغانا وهي أصلا من امبراطورية الدانخومي(داهومي) الشهيرة.
وعلى أنقاض كل هذه العظمة تشكلت جمهورية قزمية التقاطيع فقيرة معزولة بلا شواطئ محشورة لا تكاد تتنفس بين عملاقين أحدهما أرجله من طين و رأسه من عجين لا يكاد يفيق من أزمة في القلب إلا عاجله ألم في أحد أطرافه هو "مالي" بقية مملكة "ملّيِ الأسكيا " أرض المخطوطات العربية الجميلة والذهب اللماع و الحواضر الزاهرة ك:جنة و كلبه و تنبكتو وقاوه و غيرها. وبين عملاق الكاوكاو و الموز وما لذ حلوق الغرب و غلا ثمنه عند الجلب : ساحل العاج والإسم على مسمى بلاد "عاج الفيل".
هنا في هذا الجار المترف ، نسبيا،نصب عرش العمالة المتجذرة لفرنسا والتمثل المخلص لمصالحها و موطن خدامها من تجار (جولا) المسلمين بالوراثة الذين لايفقهون غيرتجارة الماشية ، ومشايخ (الباولي) الوثنيين الرافلين في ملاحفهم المرقطة المتوجين بطرابيش حوافها ذهب يلبسون قلائد و يتحلون بدمالج من التبر الخالص مرتين في العام :يوم الولاء للرجل الأبيض وأسبوع تقديم القرابين لطواطم الأجداد في الغابة المقدسة ، و فوق كل ذلك هي جمهورية الرئيس مدى الحياة ، الذي ودّع الحياة،حكيم إفريقيا والسد المنيع أمام النفوذ العربي والمد الاسلامي "العجوز هوفويت بوانيي" الذي بنى أكبر كنيسة كاثوليكية "بازيليك سيدة إفريقيا"خارج أوربا في قرية قبيلته (ياموسوكرو)التي حولها قبل موته إلى عاصمة للجمهورية ، مقدما نموذجا باهرا للدولة الثيوقراطية على الطريقة الافريقية...